حوار مع مريهان الباز أول ميكانيكية سعودية: “واجهت عقبات كثيرة، لكنني لم أدعها تقف في طريق طموحاتي”

نشأت مريهان الباز في مدينة جدة، وعُرفت منذ صغرها بحيويتها وتفاؤلها وسعيها الدائم لتحقيق طموحاتها ما بلور شخصيتها ورؤيتها للمستقبل وساعدها في تحديد اتجاهها. كان والدها ميكانيكيًا ماهرًا وحذقًا يحب السيارات وعالمها بكل ما يحتويه. أحبت منذ سنٍ صغيرة مرافقته إلى الورشة، وهناك تعلمت الاستقلالية واكتسبت مهارة اتخاذ القرار.

تعرفي على مريهان الباز:

من بين تسعة أولاد، كانت مريهان الوحيدة التي أحبت عمل والدها

تستعيد مريهان بعض الذكريات عن والدها فتشير إلى مجموعة كبيرة من السيارات الكلاسيكية كان يملكها وكانت الدافع وراء تعلمه مهنة الميكانيك، إذ كان يرفض رفضًا باتًا أن تلمس يد غريبة إحدى سياراته.

من بين تسعة أولاد، كانت مريهان الوحيدة التي أحبت عمل والدها وأُعجبت بقدراته فقررت أن تتعلم منه أسرار هذه المهنة. استفادت كثيرًا من خبرته ونهلت منها ما يكفي إلى أن أصبحت قادرة على تعديل وتصليح أكثر من 27 سيارة، وعن والدها واستراتيجيته في العمل قالت: «لا يعتمد والدي إلا على حدسه، ودائمًا ما كنت أتفاجأ بصحة تنبؤاته عند العمل على تصليح سيارة معينة».

“نسي والدي أشياء كثيرة في حياتنا بسبب مرضه، لكنه لم ينسَ المشاكل الميكانيكية”

لم يكن في بال الوالد أن تمتهن ابنته مهنة الميكانيك حين غرس في داخلها حبّ صيانة السيارات، وربما لم يكن الأمر في بالها كذلك، إلا أنه عندما بدأت أعراض الألزهايمر تظهر عليه، قررت مريهان أن تساعده في عمله ولازمته في الورشة طوال النهار، وباستغراب تقول: «نسي والدي أشياء كثيرة في حياتنا بسبب مرضه، لكنه لم ينسَ المشاكل الميكانيكية، وبدلًا من أن أدعمه في أثناء مرضه، دعمني هو وعلمني الكثير. في هذه المرحلة، قررت امتهان الميكانيك».

وكان الأمر، ودخلت مريهان الورشة تاركة تخصصها الجامعي جانبًا، متسلحة بشغفها وبما نقله له والدها من مهارات وتقنيات وبدعم والدتها في المجال، وقد قالت: «لا أستطيع أن أوفي والدتي حقَّها، فهي لا تزال حتى اليوم الدَّاعم لي ولإخوتي». تشدد مريهان على دور والدتها في مسيرتها المهنية وتشير إلى أنها أتمت بفضلها دراستها في مجال الإعلام وحصلت على بكالوريوس في علم النفس. ورغم تخصصها في مجالين مختلفين، لم يخف حبها للسيارات، وبقيت الورشة تشدّها إلى أن طغت كفة السيارات على كفة الإعلام وعلم النفس في ميزان حياة مريهان المهني، فأعلنت امتهانها صيانة السيارات لتكون بذلك أول امرأة في السعودية تدخل هذه المهنة وتقف ندًا في مجالٍ لطالما كان حكرًا على الرجال. 

“واجهت عقبات كثيرة، لكنني لم أدعها تقف في طريق طموحاتي”

لم تسمح مريهان الباز للعوائق أن تقف حائلًا بينها وبين طموحها، وقد قالت: «واجهت عقبات كثيرة، لكنني لم أدعها تقف في طريق طموحاتي، بل حولتها إلى فرص لتحسين مهاراتي، كما شاركت في دورات تدريبية متقدمة خارج السعودية»، وأضافت: «أكرّس كل الوقت الضروري لأتعلم كلّ ما يساعدني على تطوير عملي».

حصلت‭ ‬مريهان‭ ‬على‭ ‬دعمٍ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬آمنت
‭ ‬بها‭ ‬كامرأة

ومع مرور السنوات، برهنت مريهان الباز التي تألقت بقوة في ميدان صيانة السيارات، أن الطريق لا يزال في بداياته، وقد قالت: «لم أكتفِ باقتحام هذا المجال، بل قررت أن أصنع فارقًا. اتخذت قرارًا بالتعاون مع مجموعة من المتخصصين في الميكانيك لفتح أول ورشة وتأسيس برنامج تعليمي بعنوان «ورشة إنعاش» بهدف مساعدة كل الشباب والشابات على تعلم أهم أساسيات الميكانيك». وتتابع قائلةً: «فاجأني حجم الإقبال. حققنا نجاحًا ساحقًا ما زاد من عزيمتي ودفعني لأتميز وأنجح أكثر فأكثر».

تشير مريهان في هذا الصدد، إلى أن الإرادة القوية والصبر أمام التحديات هما أساس نجاح أي مشروع، وقد قالت: «لا أخفي عليكم أن التحديات التي واجهتها دفعتني للأمام أكثر. ألغيت كلمة مستحيل من قاموسي وتحديت كل ما تعرضت له من انتقادات وتنمر وركّزت فقط على كلمات التشجيع
والثناء الإيجابية».

اسم صعب في سباقات الرالي

شكل انضمام مريهان الباز إلى فريق «المارشال» نقلة نوعية في حياتها. كانت الشابة الطموحة قد علمت أن الفريق يطلب فتيات متطوعات في سباق سيارات المارشال، فتقدمت بطلب لكن لسوء حظها كانت فترة التسجيل قد انتهت. إلا أن القدر لعب لعبته، فوضع بطريقها شخصًا لاحظ حماسها ولهفتها فتواصل مع رئيسة نادي المارشال الأميرة عهد آل سعود التي وافقت على مشاركتها في سباق الفورمولا، وبهذا انضمت إلى النادي معتمدةً على خبرتها في العمل الميكانيكي. كانت مريهان واحدة من ثلاث فتيات شاركن في السباق، واقتصر دورهن على التدخل السريع في حال وقوع أي حادث على الحلبة، وعن هذه التجربة قالت مريهان: «تفاجأت حين عرفت بعد انتهاء الحدث أننا كنا أول نساء على المستوى العالم نشارك ضمن مجموعة لقيادة سيارات الكرين».

حمستها هذه التجربة على خوض سباقات رالي جميل. لم يكن الفوز حليفها في أولى تجاربها، فقد حلّت في المركز الأخير إلا أن ذلك لم يحبط عزيمتها واستمرت في المشاركة إلى أن حصلت في آخر نسخة من رالي جميل على المركز الأول بسيارة صينية غير جاهزة للراليات، وقد تذكرت فوزها قائلةً: «كان حدثًا مفاجئًا وإنجازًا عظيمًا أضفته إلى مسيرتي». شاركت مريهان بعد ذلك في رالي ليبيا بعد ترشيح فريق «المتحدون» الدولي لها، وقد قالت: «رحبت بهذا الترشيح، جاء بمثابة جرعةٍ إضافية من الثقة بالنفس»، وأضافت: «كانت تجربة لا تنسى. استقبلني الجمهور بحفاوة كوني سعودية وأول فتاة تشارك في رالي داخل دولة ليبيا. مشاركتي في هذا الرالي أعطتني حافزًا أكبر للعمل والمثابرة وأكّدت لي أن لكل مجتهد نصيب».

المنافسة في حياة مريهان الباز

كأي مجال آخر، تشعر مريهان بالمنافسة في عملها إلا أنها تحاول قدر المستطاع التعلّم من المنافسين وتحرص على الاستفادة من تجاربهم، فقالت: «يسعدني نجاح أي منافس لي، فما أحبه لنفسي أحبه لغيري». ومريهان لا تتفق أبدًا مع الرأي القائل إن أسلوب المرأة يختلف عن أسلوب الرجل في مجال السيارات، فالمرأة شريك مهم ومنافس للرجل طالما أنها تمتلك ما يمتلكه الرجل من معرفة ومهارات، وقالت في هذا السياق: «يملؤني التفاؤل في ما يتعلق بالمستقبل. ها نحن اليوم قد بدأنا نرى المستقبل بعينٍ جديدة تليق بالمملكة وشعبها».

كانت‭ ‬مريهان‭ ‬الباز واحدة‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬فتيات‭ ‬شاركن‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬سيارات‭ ‬المارشال

لا تقف تطلعات مريهان الباز عند حد الإنجازات الشخصية، بل تسعى إلى إحداث تغيير إيجابي في مجتمعها المهني، وقد شرحت رؤيتها قائلةً: «أريد تعليم الشباب والشابات، وحاليًا أنتظر الردود من الجهات التي تواصلت معها لتطوير مجال تدريس الميكانيكا في الجامعات والمعاهد البحثية». أما عن الحلم المؤجل فتقول مريهان: «للمجد بقية وهناك أحلام مازلت أسعى لتحقيقها. مشروعي القادم هذا العام هو المشاركة في رالي الدبابات، لذلك سأبتعد عن السباقات الأخرى لأستعد للحدث الأضخم مع أخصائيين ذوي مهارات عالية»، وتابعت بكل فخر: «أعتقد أني سأكون أول فتاة تشارك برالي دبابات!».

دعم الجهات الرسمية والشركات

في إطار حديثها المطول عن مسيرتها والتجارب التي خاضتها، أولت مريهان جزءًا كبيرًا للإشادة بدور الاتحاد السعودي للسيارات وشركات السيارات في دعمها موضحة: «لا أعتقد أن ثمة جهة رسمية تدعم الشباب والشابات كالاتحاد السعودي للسيارات. يكفي أنها تعفي أي متسابق من رسوم التسجيل لتعطي الفرصة لكل من يرغب لا سيما النساء».

قد يهمّك أيضًا: حوار خاص مع بسنت أبو باشا: “اتفقت مع العائلة على الالتزام بتفاصيل معينة عند قبول أي دور”

وفي هذا السياق، لفتت مريهان إلى جهود تُبذل اليوم لتصحيح وجود المرأة كالمبادرات التي تدعم المواهب النسائية السعودية في مجال رياضة السيارات، وهذا ما أكدته الباز بقولها: «حصلت شخصيًا على دعم كبير من شركات السيارات التي آمنت بي كامرأة، فقدمت لي ولغيري من الفتيات السعوديات المميزات الرعاية في السباقات لبناء مستقبل واعد في عالم رياضة».

أنوثة لا يخبو بريقها

رغم الجرأة التي يتطلبها عملها في مجال صيانة السيارات، شخصية مريهان خجولة ومنطوية، فهي تقضي معظم وقت فراغها مع عائلتها. وفي ما يتعلق بمظهرها، فهي تتعمد المحافظة على مظهرٍ أنثوي وتعتبره جزءًا من نجاحها في هذا المجال، وقد قالت: «أذهب إلى الورشة وأنا بكامل أناقتي وأهتم بأدق تفاصيل إطلالتي، أما قصة شعري فيعتقد كثيرون أنني اخترتها لتتناسب مع مهنتي بالميكانيك، إلا أنهم مخطئون، فقد اضطررت لهذه القصة بعد تعرضي لحادث في فترة شبابي وخضوعي لعملية جراحية برأسي، أعجبتني القصة وأضافت المزيد من التميز إلى شخصيتي، فاعتمدتها».

«أذهب إلى الورشة وأنا بكامل أناقتي وأهتم بأدق تفاصيل إطلالتي”

لا تزال مريهان تجد نفسها في بداية الطريق مؤكدة أنه بالمهارة والإرادة يمكن لكل امرأة أن تحقق ما تريد، وأن تترك أثرها في الحياة والمجتمع.