صاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الشيخة‭ ‬انتصار‭ ‬الصباح: “حريٌ‭ ‬بنا‭ ‬أن‭ ‬نستمتع‭ ‬الآن،‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬الفارق‭ ‬الآن،‭ ‬أن‭ ‬نتقرّب‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬ونتفاعل‭ ‬معهم‭ ‬الآن”

مساعدة النساء على اكتشاف قوتهن هو أكثر من مجرد شغف بالنسبة إلى صاحبة السمو الشيخة انتصار الصباح. فقد كرست الشيخة، وهي أحد أفراد العائلة المالكة في الكويت، حياتها لدعم النساء ليصلن إلى درجة عالية من الثقة بالنفس والشفاء من آثار الحروب والعنف بمختلف أشكاله، من خلال مؤسساتها الرائدة ومشاريعها الاجتماعية الرامية إلى تغيير حياة عددٍ كبير من النساء في المنطقة. صحيحٌ أنها تشتهر أيضًا بخط المجوهرات الراقية الخاص بها Intisars، الذي أطلقته كتعبير عن حبها لبناتها الأربع، إلا أن عملها الخيري مع النساء ضحايا الحروب والعنف هو الذي سيعزز إرثها بلا شك.

لا تحبذ الشيخة انتصار الصباح التركيز على ماهية إرثها المستقبلي، فهي تؤمن أن الإرث الحي، أو التأثير الذي يحدثه المرء في حياته هو الأهم. تستغرب الشيخة انتصار اهتمام الناس بما قد يتركونه كإرث، فالحاضر أولى بأي مجهود قد نبذله وبأي عمل قد نقوم به، وقالت في هذا السياق: «أركز على التغييرات التي يمكنني إحداثها اليوم، ولا أفكر أبدًا في الإرث. الحاضر هو ما يهمني. أعمل اليوم من أجل الحاضر. بالطبع يسعدني أن أعرف أن أجيالًا لاحقة ستذكرني، إلا أنه يسعدني أكثر أن أسمع أحدهم يقول: «هذه المرأة رسمت ابتسامةً على الوجوه وأنا لا أزال على قيد الحياة!»، وتابعت والابتسامة على وجهها: «سأكون سعيدة إذا فخرت بناتي بأمهن، هذا إرثٌ هام. لكن بالنسبة لي، أنا سعيدة باللحظة الحالية. حريٌ بنا أن نستمتع الآن، أن نصنع الفارق الآن، أن نتقرّب من الناس ونتفاعل معهم الآن». بفضل هذا النهج العملي والمباشر للحياة تمكنت الشيخة انتصار من بناء أكثر من مجرد إرث، فالعمل الذي تقوم به سيتردد صداه بالفعل عبر الأجيال حاضرًا ومستقبلًا. 

على مدى سنوات، عملت الشيخة انتصار الصباح في مجال تمكين المرأة والتعليم والابتكار من أجل بناء السلام. كانت السبّاقة في تأسيس دار نشر لتزويد النساء بمعلومات حول صحتهن العقلية والجسدية، وهي خطوة أقدمت عليها حتى قبل أن تفكر بها رائدات أعمال غربيات. بالإضافة إلى مجوهرات «Intisars»، أسست الشيخة أيضًا «عبارة»، وهو خط مجوهرات مصنوعة من الفضة، كتحيةٍ لتراثها العربي. علاوةً على ذلك، تترأس مؤسسة «النوير»، وهي منظمة غير ربحية والأولى من نوعها في الكويت ومنطقة الخليج العربي، تعمل على تعزيز التغيير الإيجابي في السلوك الاجتماعي من خلال برامج وحملات تعليمية ومهنية ومجتمعية مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تقود الشيخة مبادرة «بريق»، وهي مبادرة تعليمية تستند إلى البحث العلمي في مجال علم النفس الإيجابي، تهدف إلى تنمية جو تعليمي إيجابي في المدارس. ناهيك عن مؤسسة «انتصار»، وهي مؤسسة رائدة تدعم النساء من أجل التعافي من الصدمات الناجمة عن الحروب والعنف ولمساعدتهن على تجاوز آلامهن باستخدام العلاج بالدراما. تعمل المؤسسة في مختلف أنحاء المنطقة مع النساء المتألمات من المعاناة والدمار، وتدربهن لتتأقلمن وتعبّرن عن رأيهن وترفعن أصواتهن. والعلاج بالدراما أداة تعافي وتجديد حميمة ومبتكرة معترف بها عالميًا تعتمد على تقنيات مسرحية مثل لعب الأدوار والارتجال في مكان آمن وخاص لتشجيع النساء على سرد قصصهن بهدف الشفاء من آلامهن. وقد تعاونت المؤسسة مؤخرًا مع هيئة دبلوماسية بريطانية لتدريب القيادات النسائية في الكويت باستخدام التقنيات المسرحية. وعن نتائج هذه الجهود قالت الشيخة: «إننا ندرب طالبات جامعيات لتمكينهن ذاتيًا وليصبحن أكثر ثقة، ونجحنا بشكل كبير»، وأضافت: «نأمل في التوسع إلى مزيد من الدول العربية، ونتمنى الذهاب قريبًا إلى غزة».

لا تكتفي الشيخة انتصار الصباح بالإشراف على المؤسسة التي تحمل اسمها بفخر، بل تحرص على حضور جلساتها كلما أتيحت لها الفرصة؛ حتى أنها صعدت على المسرح مع الطالبات في الكويت، وشاركت في التدريبات، وقد تحدثت عنها فقالت: «في بعض الأحيان، تكون الطالبات خجولات، خاصة في العالم العربي. ولكنهن وقفن على خشبة المسرح، وقمن بالتمارين، وشاركت أنا في التمارين معهن. كنّ مشرقات! أن أراهن منفتحات بهذا الشكل…»، واختنقت كلمات الشيخة مبيّنة تأثرها بما أنجزته المؤسسة، قبل أن تتمالك نفسها وتتابع: «أحرص دائمًا على زيارة البرامج كلما سنحت لي الفرصة. أحب رؤية النساء والتحدث إليهن والحصول على تقييم مباشر لعملنا. هذا هو الوقت الذي أتعرف فيه عليهن وأفهمهن أكثر». وفي هذا السياق، ذكرت الشيخة الفائدة التي عاد بها البرنامج على زوجة كانت تكافح لرعاية أسرتها وزوجها المعوّق، فقد شعرت هذه المرأة أنها أقوى وأكثر سيطرة على حياتها؛ وقالت: «ثقتهن أصبحت أكبر. إنهن اليوم أكثر سعادة ورضا. وهذه تغيرات عظيمة تسرني جدًا».

تتسم الشيخة انتصار بشخصية دافئة ورقيقة، عطوفة وإنسانية، وهي تنسب الفضل في ذلك لوالديها وأجدادها على صبرهم وتفكيرهم العميق ولطفهم، وقد شرحت عن تأثيرهم الإيجابي عليها قائلةً: «لا أحد يبدأ من الصفر. الأمور تبدأ من بذرة زرعها أحدهم»، وتضيف: «أنا أنتمي إلى عائلة تهتم وتقدم وترغب في إحداث فرق بطريقة أو بأخرى، سواء مع العائلة أو الجيران أو الغرباء، وتعيش حياتها وفقًا لهذه القيم. لا أستطيع تغيير الناس، يمكنني فقط أن أكون قدوة للبعض؛ لبناتي، وأولاد إخوتي وأخواتي، وعائلتي. ولكن لتكون قدوة يجب أن تطبق ما تقول، وإلا فإنّ ما تقوله لن يعدو كونه مجرد كلام. والناس قادرون على التمييز بين الأمرين».

تنحدر الشيخة انتصار الصباح من سلالة طويلة من نساء كويتيات تميّزن بالقوة، قوةٌ طبعت نساء أي بلدٍ اعتاد رجاله البقاء في البحر لشهور طويلة. ترى الشيخة مستقبلًا مشرقًا لجميع النساء في المنطقة، وقد شاركتنا شعارها: «عيشي، أحبي، اضحكي. أحيط نفسي بهذه الكلمات! الحياة تعني الشعور، ومن حُرم لذة العيش فاته الشعور بكل ما يحيط به. غياب الحب يعني أنك في المكان الخطأ، وغياب الضحك يعني حتمًا التعاسة». ومرة أخرى تدير الشيخة دفة الحديث نحو الإرث فتقول: «وظيفتي هي القيام بما أنا هنا من أجله. أليس شعور أحدهم بالظلم سببًا كافيًا للتدخل وبذل كل جهدٍ ممكن لرفع هذا الظلم ونصرة المظلوم؟»